الأساتذة والإضراب/سيد محمد بن بيات

لماذا يضرب الأساتذة ؟
هذا سؤال يطرح نفسه في هذه الفترة بإلحاح ويمكن مناقشته من خلال الأسئلة التالية:
أولاـ هل يجد الأستاذ ظروفا مادية مقبولة تمكنه من القيام بمهمته كما ينبغي؟
ثانيا ـ هل يجد الأستاذ الظروف المعنوية كالاحترام والثقة والتقدير؟
ثالثا ـ هل يجد الأستاذ المستلزمات اللوجستية الضرورية للقيام بالعملية التربوية؟
رابعا ـ هـل يجد الأستاذ الجهة المسؤولة الصادقة التي يتعامل معها في مطالبه؟
وقبل الإجابة على الأسئلة أنبه أنه من أجل إصلاح التعليم لا بد أن يختار القائمون عليه بعناية فائقة، وأن تراعى فيهم الرزانة وبعد النظر والإخلاص وحسن السيرة والسلوك. وأن تفوض لهم الصلاحيات لكي ينطلق التفكير والإبداع والبناء.

وأما فيما يخص الأسئلة فأقول: 
أولا ـ إن الظروف المادية القاسية التي يعيش المدرس أصبحت منفرة مما جعل التعليم يشهد أعظم هجرة خاصة من ذوي الكفاءة والتجربة سواء كانت هجرة داخلية يترك صاحبها الطبشور أو هجرة خارجية يترك صاحبها الوظيفة نهائيا.

وهذه الوضعية جعلت كثيرا من المؤسسات تعيش نقصا حادا في الكادر البشري مما جعل الوزارة تلجأ إلى العقدويين الذين أصبحوا يشكلون في نواكشوط ما يقارب نسبة 30% من طاقم التدريس!.

والأدهى من ذلك أنه في الفترة الأخيرة فتح للمديرين في المؤسسات مجال اكتتاب العقدويين دون أي معايير مما يجعل الزبونية والقرابة تكشر عن أنيابها.

ولعلها بذلك تضرب عصفورين: 
الأول: الإيهام بتغطية الحاجة مما يكشف عن لا مبالاة بمستويات التلاميذ. 
والثاني: استخدام هؤلاء عند الإضراب للتغطية على غياب الأساتذة.

ولكي أضع القارئ في الصورة عن ضعف المستوى المادي للأستاذ نقدم الحقيقتين التاليتين:
ـ الحقيقة الأولى: أن العامل المتوسط في شركة اسنيم مثلا يتقاضى 150 ألف أوقية كتعويض عن السكن. في حين لا يصل راتب الأستاذ بجميع علاواته قريبا من هذا المبلغ.

ـ الحقيقة الثانية: هي أن الحرس في شركة اسنيم في مدينة ازويرات يزيد راتبه على راتب الأستاذ. إنها حقائق مرة، وهذا قليل من كثير.

ثانيا ـ أما الظروف المعنوية فيكفي للدلالة على انعدامها الإهانة الشنيعة التي وجه الوزير لأساتذة وادان في زيارته الأخيرة، فبدلا من أن يقدم الوزير شكره وتقديره لأساتذة تحملوا معاناة الغربة والعناء والصمود في ظروف قاسية، حيث لا أثر للحياة الحضرية، تفغر لهم الصحراء فاها، وتذري عليهم الرامسات، لا يأمنون إذا ناموا ليلة شنفرية تأيم نسوانا أو تيتم ولدانا، فهم مقيمون على حدود إمارة الصحراء التي لا تفتأ سراياها وغزواتها تقتل وتأسر.

لكنهم تحملوا كل ذلك في سبيل بناء وطنهم وخدمة مجتمعهم وكرامة أنفسهم فهم كما قال الشاعر:
ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب *** يعاش به إلا لدي ومأكل
ولكن نفسا حرة ما تقيم بي *** على الضيم إلا ريثما أتحول
أديم مطال الجوع حتى أميته *** وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له *** علي من الطول امرؤ متطول

لقد علم الأساتذة أن الوزير يريد زيارتهم. فانتظروا من الساعة الثالثة حتى الساعة السادسة. ولما جاء الوزير قدم إليه الأساتذة مطالبهم فأخذ يرد عليها، لكنه ترك منها البعض. ولما انتهى نبهه أحد الأساتذة أنه تجاوز بعض المطالب. فصرخ في وجهه قائلا انتم بلا أدب! في حركة أذهلت الجميع، حتى مرافقيه. مضيفا: كيف تقاطعونني؟
فقال أحد الأساتذة نحن على الأقل بشر، والبشر ينبغي أن لا يعاملوا بهذه الطريقة.
فرد عليه قائلا: ما لي ولكم؟ ليس عندي وقت لكم، أنا ما جئت هنا وزيرا للتعليم، أنا جئت ممثلا لرئيس الدولة لأختتم مهرجان وادان.

ما كان من الأساتذة إلا أن ردوا عليه قائلين ونحن لم نكن حريصين على لقائك وإنما أبلغنا أنك ستزورنا.
هل هذا هو نصيب الأساتذة من نفحات وادان؟!!!
هذا بالإضافة إلى المعاملات الفجة التي يتعامل بها الولاة والحكام مع الأساتذة, وكذلك المديرون الجهويون في كثير من الأحيان.

ثالثا ـ إن الأستاذ الجاد الذي يريد أن يؤدي واجباته تقف في وجهه عقبات كثيرة. فالمستلزمات الدراسية لا يوجد منها إلا الطباشير، فلا مخابر، ولا أوراق, ولا مصورات.. إلى درجة أن بعض المراقبين لما تعب من كتابة لوائح التلاميذ وتسجيلها اضطر إلى أن يستعمل جهازه الخاص في المؤسسة.

ويمكن أن نوضح هذا الإهمال المتعمد بمثال واحد. هو ثانوية دار النعيم، وهي ثانوية عملاقة هي الوحيدة في مقاطعة دار النعيم، هذه الثانوية منذ سنوات وهي بلا حائط، مما جعلها مرتعا لعصابات المجرمين، يدخلون على الأساتذة في الفصول يسرحون ويمرحون. كما أصبحت ممرا للنساء من وإلى السوق والأطفال والحمير…

كل هذا ليس هو الغريب الغريب أن الوزير زار الثانوية ولما طرحت عليه مشكلة الحائط، قال بكل بساطة الحائط ليس مهما!!!.

رابعا: أما بخصوص السؤال الأخير فقد حرصت النقابات كل الحرص على أن تجد جهة مسئولة تطرح عليها مطالبها لكن الوزارة ظلت دائما تماطل وتراوغ إلى درجة أن الوزارة أصبحت تلجأ إلى الوسائل التي عفا عليها الزمن كخلق نقابات تستخدمها لإفشال أي تحرك لمصلحة الأساتذة. وقد حظي البعض منهم بخوارق غير مسبوقة في تاريخ الوزارة حيث عين بعضهم مديرا لمؤسسة في نواكشوط دون أن يمر بوظيفة مدير دروس!!!, وعين البعض مديرا لإدارة في الوزارة مقابل نضاله من أجل حقوق (الأساتذة).

إنها الصفاقة المكشوفة والوقاحة.
بل إن بعضهم يتجول في سيارة المدير الجهوي وبرفقته في بعض الولايات لإبلاغ خطابه!.
صحيح أن هذا الوزير جاء إلى الوزارة وهي أكثر الوزارات مشاكل إلا أن الوزير استطاع أن يضاعف المشاكل في الوزارة أضعافا، فكل قطاعات الوزارة الآن تعيش احتجاجات كبيرة، فالأساتذة خرجوا من إضراب قبل أيام ليدخلوا في آخر بعد أيام والمعلمون احتجاجاتهم بين الفينة والأخرى، ونيران الجامعة مشتعلة.. والتعليم الفني…

ومعروف أن الوزير نفسه كان سببا في إشعال بعض هذه الاحتجاجات من خلال تصريحاته اللامحسوبة. والتي عاد ليكذبها! ويذكرنا الوزير بقول المريض السابق عن طبيبه:
طبيب طبه كغراب بين *** يفرق بين عافيتي وبيني
أتى الحمى وقد شاخت وباخت *** فرد لها الشباب بنسختين
وكانت نوبة في كل يوم *** فصيرها بحذق نوبتين

ولا أدل على غياب أي شريك رسمي من أن إحدى النقابات المقدمة على الإضراب بعد أيام تنازلت عن كثير من مطالبها، ولا تطلب الآن إلا مطالب سبق أن وقعت عليها الوزارة نفسها.

أي وزارة هذه تلك التي توقع لعمالها على مطلب ثم تتراجع؟ يصرح وزيرها تصريحا ثم يكذبه! لم يبق للمدرس إلا أن يصيح صيحة يمانية: أرحل أيها الوزير.

إن كثيرا من أهل التعليم من يرى أن الرئيس محمد بن عبد العزيز رجل يريد الإصلاح، لكن فريقه الوزاري ليس على المستوى، خاصة هذا الوزير.

ومن الأدلة على ذلك أن الرئيس أمر منذ سنتين بإعطاء علاوة التجهيز أي ما قدر وقتئذ بـ50000أوقية عند افتتاح كل سنة دراسية. ولم يجدها المدرسون حتى الآن.

وتدل محاولات الوزير التملص من لقاء تلفزيوني ـ كما ذكرت الأنباء على أن هذا الوزير ليس عنده ما يقدمه.

إن انتزاع هذا الوزير من فصول الجامعة كان جناية عليه وعلى الجامعة. فهو من أفضل أساتذة الرياضيات في الجامعة، ولكنه من أسوا الوزراء الذين عرفتهم الوزارة. 

ويبدو أن بلادنا مبتلاة بوزراء كما قال أحد الكتاب يشتمهم الرئيس، ويشتمهم النواب، وتشتمهم الصحافة، ويشتمهم الشعب. ومع ذلك فهم متمسكون بكراسيهم ليسوا مستعدين لتركها مهما كان الثمن!.

وقديما قال الشاعر:
ولا يقيم على ضيم يسام به *** إلا الأذلان: عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته *** وذا يشج فلا يرثي له أحد 

ولم يبق لدى الأستاذ أمام هذه الوضعية إلا أن يرفع صوته حتى لا يكون شريكا في عملية تصفية التعليم.

شارك بتعليقاتك !

     .................................................................................................................................................................................................................................

Copyright � 2012 Hiaad.Net

السراج

 الحرية

العربية

صحراء ميديا

 تقدمي

 موريتانيد

Desgin & Dev By T-Zone

كووورة

الجزيرة

موريتانيد

Bbc

روتانا

سيدتي

........................................................

الغد

Google

Yahoo

Facebook

msn

اخبار انفو