الرئيس الموريتاني والمعارضة إلى الشارع

فيما بدأت المعارضة الموريتانية تكشر عن “أنياب الثورة” مستغلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور والظروف الإقليمية والطبيعية، دخل خطاب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز دائرة من الغموض والتورية لم يسعف أمهر المراقبين غرباله حتى الآن في تنقية المراد بها، فقد فاجأ ولد عبدالعزيز القاموس السياسي والإعلامي باستحداثه أدوات خفية في التداول السياسي قد تخلط الأوراق المختلفة ليترك أطراف المشهد السياسي بمن فيهم أغلبيته الداعمة أمام رسائل مشفرة تمكن قراءة وجهيها قراءتين متطابقين سلباً وإيجاباً . . العملة الجديدة صنعها الرئيس فيما يبدو لمقاومة إفلاس خطاب حزبه الحاكم الذي توجه إليه انتقادات لاذعة وأظهر عجزه أمام ماكينة المعارضة التي بدأت تدك حصونه في أكثر المناطق تأييداً له، لاسيما في الأرياف والقرى وضواحي المدن، حيث تتكدس جحافل الفقراء الذين يمثلون وقود حملاته السياسية . فهل أراد ولد عبدالعزيز إلهاء معارضيه وإرباك مؤيديه، أم أنه أراد إلهاء وإرهاب الجميع؟

من دون شك، استطاعت المعارضة الموريتانية فتح مناطق جديدة في حملة “مهرجانات الغضب” التي طالت حتى الآن أكثر من نصف البلاد، ولعل الاصطفافات المؤيدة لها والتي حملت في بعض المناطق خروج ضباط متقاعدين من صمت المهنة إلى صوت المطالبة بالتغيير، شكلت مفاجأة غير سارة للرجل الذي اتضح أنه لم يكن يحسب حساباً لانضمام قائد أركان النظام الذي أطاحه هو ضحى في أغسطس/ آب ،2008 إلى جوقة المطالبين برحيله .

وقد كشفت مجريات الحراك المعارض في الآونة الأخيرة أن استراتيجية منسقية المعارضة الموريتانية تقوم على ثلاثة محاور متزامنة التوقيت، حيث “مهرجانات الغضب” التي تستهدف كسب ولاء سكان الولايات الداخلية ذات الثقل الانتخابي والسكاني الكبير، وموجة من الحملات الإعلامية لكشف المستور وتشويه كل شيء عبر مؤتمرات صحفية، بيانات، ندوات، وقفات تضامنية، اعتصامات . .إلخ، مع دعم معنوي وإعلامي هائل لآلة الحركة الاحتجاجية المطلبية التي عمت جميع القطاعات والجهات . . وهكذا وصلت صورة الوضع العام في موريتانيا إلى أبشع ما تكون لدى قطاعات واسعة من المواطنين الموريتانيين، لكن “فرشاة البشاعة” لاتزال تعمل في جزئيات المشهد السياسي والمعيشي، في ظل بدء زعماء المعارضة هذا الأسبوع اجتماعاتهم لتقييم متطلبات المرحلة المقبلة في مواجهتهم مع النظام .

الرئيس يرد

ويبدو أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز ضاق ذرعاً ب”عبث” خطاب منسقية المعارضة بالشارع الموريتاني، فقرر الرد على طريقته الخاصة، فبعد استقباله المكتب التنفيذي للحزب الحاكم، وفريق أغلبيته في غرفتي البرلمان (الجمعية الوطنية، ومجلس الشيوخ)، وشخصيات وازنة، أمر الرئيس بإيفاد بعثات حزبية وحكومية إلى الولايات الداخلية للرد على خطاب المعارضة وتثمين الإنجازات التنموية التي قام بها نظامه، بل قرر النزول إلى الشارع بنفسه في جولات لاحقة على الولايات الداخلية .

لقد بدأ الرئيس الموريتاني ولد عبدالعزيز يستشعر خطورة خطاب وتصعيد المعارضة، فقرر هو الآخر النزول إلى الشارع بكامل نظامه في “حملات شرح وتثمين” .

ويعرف عن الرئيس ولد عبدالعزيز أنه رجل ذو خطاب “شعبوي” قادر على ملامسة شغاف الفقراء والمهمّشين، وقد نجح بذلك الخطاب في استقطاب الأغلبية الواسعة من الموريتانيين في أزمة 2008-،2009 بل من المفارقة أن النخبة التي خذلته في تلك الأزمة تمكن من تجاوزها بخطاب كسب المسحوقين الذين وجدوا في لهجة الرجل ما

يلامس واقعهم ومعاناتهم بعيداً من لغة التنظير النخبوي .

إلا أن الرئيس ولد عبدالعزيز، هذه المرة، ليس ذلك الرجل القادم من خارج كرسي الحكم، فبعد أربع سنوات من إدارة البلاد بدأت “الوعود” تتآكل، وتفاقمت المشكلات، وتكشف أكثر عري الواقع المزري لأغلبية المواطنين، وبالتزامن مع ذلك جاء ميلاد “عبقرية الشارع” العربي ليضيق زاوية المناورات، ويحذف مفعول “أفعال التسويف” .

في لقاءاته بقادة أغلبيته من شيوخ ونواب وشخصيات، زاد الرئيس ولد عبدالعزيز مؤيديه إرباكاً، فهو لا يرى أن مهرجانات المعارضة حظيت بإقبال جماهيري كبير، باستثناء مدينة واحدة، وهو لا يملك أجوبة محددة عن موعد تنظيم الانتخابات المقبلة، والأهم أن مقترحات أغلبيته لم تجد آذاناً صاغية، والرئيس لا يريد في هذه الفترة أن يمنح الشارع أكثر من خطاب عن دور الحكومة وأهمية جهودها .

فهل باتت جهات ما تغيّب الرئيس الموريتاني عن الصورة في الداخل، وتقزّم المعارضة إرضاء لمزاج الرئيس وحالته النفسية، تماماً كما حدث لسابقيه الذين عزلوا قبل أن يعزلوا؟ وهل ذلك انعكاس للتغطية على فشل الجنرالات الذين نزلوا مؤخراً إلى الشوارع وبإمكانات كبيرة لإشغال الجمهور عن مهرجانات المعارضة؟

هل قصد الرئيس بفرضية أنه قد لا يترشح للمأمورية الرئاسية المقبلة، وفق ما نقله عنه بعض نوابه، وضع القوى السياسية في البلاد أمام غموض مشابه لما أوقعها فيه إبان انقلاب 6 أغسطس/ آب ،2008 ومن ثم فتح المجال أمام القوى التي تركز على الكرسي الرئاسي للانشغال بالإعداد لمقارعة خصوم من خارج الحكم لتجد، وفي المحطة الأخيرة، أن الكرسي لايزال مشغولاً بصاحبه .

هل يعي الرئيس ما كشفته “الخليج” منذ أشهر عن واقع أحزاب أغلبيته المنهارة معنوياً، والمستاءة من تهميشها، والتي تواصل الهروب من حظيرة الولاء، وبعد انشقاق أربعة أحزاب عن الموالاة، بات لدى الساحة هذا الأسبوع بيان موقع من ثلاثة أحزاب أخرى من الأغلبية (عادل، الحركة من أجل الجمهورية، التجديد الديمقراطي) تطالب فيه ب”وثبة وطنية” لحل مشكلات البلاد وحوار جديد “بغرض تنظيم الانتخابات المقبلة في مناخ سياسي توافقي، مرضٍ، وسلمي”؟

وبعد إعلانها تشكيل تحالف انتخابي، ما يعني مواجهة حتمية مع الحزب الحاكم، تحدثت هذه الأحزاب بنبرة معارضة عن الانشغال بالتجاذبات السياسية وعدم الأمن، و”المشكلات الكبيرة” التي يتعرض لها الشعب الموريتاني في الوقت الراهن “من جفاف، ومجاعة متوقعة، وارتفاع مذهل لأسعار المواد الضرورية، واتساع البطالة” .

هل بات الرئيس ولد عبدالعزيز يواجه ثورة مزدوجة من أحزاب معارضته وأغلبيته، فقرر مواجهة ذلك بثورة نزول إلى الشارع، واعتماد أسلوبه القديم بتجاهل رفاهية النخب والاعتماد على القاع الجماهيري؟

وماذا أعد الرئيس لموجة الاحتقان المطلبي، والحراك الاحتجاجي، والتحول الاجتماعي الذي ينذر بالخطر في ظل تسجيل البلاد لأعلى معدل انتحار بين مواطنيها خلال الأسبوعين الماضيين، حيث شنق 5 موريتانيين، بينهم امرأة، أنفسهم، في ظل انعكاس الأوضاع المزرية على حياة المواطنين؟

هل يشعر الرئيس بأن تحرير الناخبين والمواطنين والمسحوقين من قبضة الوجهاء والشيوخ والنخب، وهو الهدف الذي عمل الرئيس طويلاً من أجله، بات يعود عليه بنتائج عكسية، حيث يكاد الشارع يخرج عن أي ضوابط، ويتجه إلى الاعتماد على الفعل الاحتجاجي المؤثر من قبيل قطع الطرق الرئيسة في البلاد، والانتحار حرقاً، وشنقاً، والإضرابات والاعتصامات؟

ليست هذه أسئلة الأسبوع السياسي الحالي في موريتانيا فحسب، وهي الأسئلة التي تنتظر الإجابة في مهرجانات الرئيس المنتظرة، وإنما تكشف هذه الأسئلة تشابهاً كبيراً بين المرحلة الراهنة في البلاد والمراحل التي شهدتها أواخر حكم ولد الطايع (2005)، والعقيد ولد فال ،2007 والشيخ ولد سيدي عبدالله (2008)، حيث قوى سياسية تتصارع على الحكم، وحركة مطلبية قوية، وقيادة تدير أوراقها خرج الملعب .

وهكذا يصل الحراك السياسي في موريتانيا هذا الأسبوع إلى أن منسقية المعارضة بدأت في دراسة “خيارات الإزاحة”، بينما وضع النظام منظومة حراك ميداني لاستعادة الشارع .

الغرب إلى صحراء موريتانيا

هذه المرة ليس الغربيون في رحلة سياحية لاستكشاف عالم الصحراء والبدو الرحل، والتمتع بفطرية الحياة وبراءتها، فصحراء العرب تمور بربيع سياسي، وهذا ما تدركه القوى الغربية (أمريكا وأوروبا) التي تنقح سياساتها لمنطقة الساحل، وتحديداً منطقة تلامس العالمين العربي والإفريقي .

لم يكتف الغربيون بدور سفرائهم في موريتانيا بعد سلسلة لقاءاتهم مع أطراف الأزمة الموريتانية، فاستقبلت نواكشوط وفداً برلمانياً من الاتحاد الأوروبي لاستجلاء واقع الأزمة السياسية في البلاد، والخروج بتصور عن سبل الحل .

وحسب مصادر جد دقيقة، فقد أعرب الوفد الأوروبي في لقاءاته مع بعض زعماء المعارضة عن “رعبه” من وصول الربيع العربي إلى موريتانيا، وهو ما يجد تفسيره في استشعار الدول الغربية لخطورة موقع موريتانيا المجاور بحرياً، والذي يعني عدم الاستقرار فيه أن الشاطئ العربي للأطلسي قد يتحول إلى حالة صومالية، الشيء الذي يناقض مرامي جهود الدول الغربية من تشجيع الجيش الموريتاني على التسلح وإعادة البناء في ظل متغيرات الوضعين الأمني والسياسي في الساحل .

لقد قال الأوروبيون في نواكشوط إن السنغال (المجاور جنوباً) دخل في أزمة، وإن الحرب في شمالي مالي شرقاً تشتعل، وإن وضع الصحراء في الشمال معروف، وهم لا يرغبون في اكتمال الحلقة بزعزعة الاستقرار في موريتانيا .

لكن الوفد الأوروبي سمع رأي قادة في المنسقية أكدوا أنهم باتوا يعتمدون “مرجعية الربيع العربي” في فرض التغيير، وأنهم غير “مستعدين لمقترحات استعمارية قديمة تفضي إلى عملية تجميل سياسي عبر تحرير الإعلام وحصول المعارضة على نواب، في الوقت الذي يبقى فيه جوهر النظام الإقصائي الفردي قائماً” . وكان حزب “التكتل” (ولد داداه) الأكثر صراحة في رده على الوفد الأوروبي، ويمكن تلخيص هذا الرد في أن المعارضة تريد نهاية لحكم العسكر في موريتانيا، ولا تريد “مكاسب ما دون التغيير الحقيقي” .

يلوح الأوروبيون بتمويل الانتخابات، والبحث قبل ذلك عن حل توافقي يفضي إلى تحكيم أطراف الأزمة لصندوق الاقتراع بدل تحكيم الشارع .

ولا شك أن مسودة التقرير الأوروبي عن الأزمة في موريتانيا تحمل الكثير من منافذ العبور إلى حل توافقي، لكن ما قد يشوش على ذلك الجهد أن الجانب الأوروبي يكاد يفقد السيطرة على قوى رئيسة في المعارضة الموريتانية كان يديرها من وراء الستار، فإذا هي اليوم تخرج عن وصاية خطاب ما وراء البحار، وبدلاً منذ ذلك تتجه أكثر للخضوع لوصاية الشارع، الذي صار له صوته ومكاسبه .

واكشوط – المختار السالم

 ”دار الخليج”

شارك بتعليقاتك !

     .................................................................................................................................................................................................................................

Copyright � 2012 Hiaad.Net

السراج

 الحرية

العربية

صحراء ميديا

 تقدمي

 موريتانيد

Desgin & Dev By T-Zone

كووورة

الجزيرة

موريتانيد

Bbc

روتانا

سيدتي

........................................................

الغد

Google

Yahoo

Facebook

msn

اخبار انفو