الرد على وكيل الجمهورية/ محمد سالم ولد محمد الأمين المجلسي

لقد استقر الظلم في بلادنا وترسخ، وباض في رياضها وفرخ، وما زالت حلقاته متتابعة تقطف الرؤوس اليانعة، بل وتمحق البذور النافعة، إلا أنه مهما اشتد ساعده، وكثرت قواعده، يضمحل بعد صولته، ويهلك مع دولته، ذلك لأنه دخيل على الفطرة السليمة

وتأباه القلوب الحية الكريمة، ومهما طال خضوعها له، وخوفها من بطشه، فإنها لا محالة متمردة عليه، وسائقة كتائب العدل إليه، لرجم شياطنه، وهدم أساطينه، وللظالمين في الغابرين عبرة لو كانوا يعتبرون.

إنه نتيجة للبعد عن تحكيم شريعة الإسلام تعيش بلادنا اليوم أيامها السود فقد علم الظلم وطم، وبلغ ذروته حين استهدف الدين والدعاة إلى إقامته. فإنه كلما أوقد للخير نور أطفأته الدولة بظلمها، وكلما نبع منهل للرشاد غورته بجورها، في الوقت الذي تدعي فيه الإصلاح، وفتح باب الحريات، والتكفل بالحفاظ على الحقوق والواجبات، والاستعداد للحوار المتكافئ والمثمر، وخلق جو من السلم والعدل. بينما تقيم أسواقا لبيع الذمم وشراء المبادئ، وسمسرة النفاق، وترسيخ الباطل، يتاجر فيها المتحكمون في الدولة وقطاعاتها، العاملون لبطونهم، فنشروا الفساد، وهاموا منه في كل واد، ومن جملتهم وكيل الجمهورية الذي اتبع هواه، وعريت من الأدلة دعواه، وهو من هو بين قضاة الدولة. إن القضاء صناعة وهو وإن كان أحد أنواع الفقه، إلا أنه يتميز بأمور زائدة لا يحسنها كل الفقهاء، ولذلك اشترطوا في القاضي شروطا على رأسها رسوخ القدم في العلم والعدالة وجزالة الرأي، فهذه الشروط إضافة إلى خطر التصدي للقضاء وكون ثلثي القضاة في النار، ومتوليه كأنما ذبح بغير سكين، كل ذلك يفسر لنا هروب أكابر العلماء وأئمة الصالحين من مهمة القضاء. لكن هذا كله لم يراع ولم يعط له الاعتبار في زمننا، وهو ما أدى إلى فساد القضاء وغياب العدالة، وهذا أمر واضح، وعزو الواضح من الفاضح، والبيان يغني عن العيان، وأني لقضاء خطته فاسدة أن يكون عادلا والمحكوم به ليس أحكام الشريعة؟ والمنتصبون للقضاء ليست فيهم الأهلية علما ولاعدالة، ولا قرارلهم ولا موقف، بل لا قناعة لهم حتى يقفون عندها، وإنما تملى عليهم الطلبات فينفذونها وإليهم قول الحكم العدل جل شأنه ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) ( الأحزاب 58). في يوم 22/11/2011 اعتقلت إدارة أمن الدولة سبعة عشر شخصا من بينهم أربعة أئمة مساجد، وأستاذ جامعي موظف بوزارة التعليم العالي، وتقني مفتش شغل موظف بوازرة الشغل، وطالب جامعي في السلك الثالث كان في إجازته، وطلاب محظرة بينهم كندي جاء إلى البلاد لطلب العلم، ومدنيون. وكان لي الشرف أن أكون من بين هذه المجموعة المظلومة، وقد مكثنا عند الشرطة ثلاثة وأربعين يوما، ثم أحلنا إلى وكيل الجمهورية الذي طلب سجن ثمانية منا، ونفذ قاضي التحقيق طلبه ، فأحلنا إلى السجن، وتعذر علي البيان إلى اليوم. وإن تعجب فعجب اعتقال هذه المجموعة التي لا يعرف أغلب أفرادها بعضهم ولم يوجد ما يستدعي اعتقال واحد منهم فضلا عن جميعهم. لقد كان التحقيق أضحوكة مبكية، وكانت الأسئلة فيه والأجوبة هذا الشكل: لماذا كنتم مجتمعين؟ الجواب لم أحضر أي اجتماع ولا علم لي بأي اجتماع. هذا بالنسبة للغالبية، وبالنسبة لي كان السؤال : ما الهدف من اجتماعكم؟ الجواب: لا علم لي بأي اجتماع إنما زرت صديقا لي وهو أمام وخطيب مسجد عبد الله بن امبارك في تفرغ زينة، وأستاذ بجامعة اللبنانية الدولية، ومهندس موظف بوزارة التعليم العالي. وبعد أن سودوا صفحات كثيرة في السؤال عن دروسي في المساجد وأوقاتها ومواضيعها وطبيعة الحضور لها، كان السؤال: ما رأيك في الربيع العربي؟ الجواب: هي ثورات نشأت نتيجة للظلم المتراكم وفيها عبرة لكل حاكم يقيم العدل أو لا يقيمه. لا شك أن الأجواء عند الشرطة هي أجواء خوف وذعر، لكن الغريب في الأمر أنني لم أكره على أي جواب بالتعذيب أو التخويف بفضل الله، رغم ظلم الشرطة المعهود وإجرامها المشهود، وفي الصدق منجاة من الشر، وإنما أجبت بكل قناعة. كما أن المجضر الذي وقعت عليه عند الشرطة، ومثل بين يدي وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق ليس مختلفا ولا مفترى علي، وليس فيه حرف واحد يدينني أو يستدعي سجني للتحقيق معي أو محاكمتي. إنما قصة تعطينا صورة عن الظلم الذي نعيشه في بلادنا على كافة المستويات لقد كان زكيل الجمهورية يكرر أسئلة الشرطة، فسأل عن طبيعة الدعوة ووسائلها وعن التكفير والعمل المسلح، فكان جوابي له كجوابي لهم، وهو أن لكل ذي دعواة أدوات ووسائل يستعملها لنشر دعوته، وتبليغ رسالته، والداعي إلى الخير عنده الكلمة في المقام الأول، فيستعمل التوجيه والإرشاد والجوار والإقناع العقلي والتأثير العاطفي لعرضها وللدفاع عنها، بل يبذل الخير ويقدم المعروف لأنه قد يبلغ بالتودد والإحسان مالا يبلغه بالحجة والبرهان. وهي الدعوة الموجهة أيضا للكافر، وتعرض عليه في أحسن حلة، وأبهى صورة بل تجاريه بالإحسان إحسنا وترد له الجميل، لأن قلبه بيته وينبغي طرقه برفق ليأذن في الدخول إليه بسلاسة، وهي مع ذلك دعوة قائمة على عزة لا تبيت على الضيم، وأنفة لا تقبل التبعية مهما ضعفت القوة، وقلت الحيلة، فلا ترضى باحتلال بلاد المسلمين ولا السيطرة على ثرواتهم أو تدنيس مقدساتهم، وترى المسلمين جسدا واحدا في دعوتهم وجهادهم، ومسراتهم وأحزانهم. أما السؤال عن التكفير فكان جوابي عليه: أن طبيعة الخطاب الدعوي تحول دون ذلك، إذ كيف يقف صاحب دعوة يريد جلب الناس إلى دعوته وإرشادهم إلى منهج الحق ثم يرميهم بالكفر أو غيره، إلا ونفروا منه نفرة الحمر الوحشية من الأسد. إن ذلك لا يعني إنكار إجراء الأحكام الشرعية على مستحقيها، ولكن لذلك مجاله وضوابطه، فلكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث، والمقام مقام دعوة وإرشاد، يحتاج إلى الأسلوب الأقرب للقلوب والأحظى بنيل المطلوب، وعجبا لوكيل الجمهورية كيف يسأل هذه الأسئلة وبين يديه كتابي (الدعوة في شنقيط بين الإفراط والتفريط) وهو مشحون بمباحث عن أخلاق الدعوة وأسلوب الداعية، وقد سألني وكيل الجمهورية لماذا لا يعتقل غيرك من الدعاة؟ وهو سؤال موغل في السخافة، لأنه ينبغي أن يوجهه لشرطته، ثم إنه غفل أو تغافل ـ كأنه يبرر اعتقالي ـ أن السجون ملئت بالعلماء والدعاة، الذين هم اليوم من أبرز الدعاة وأشهرهم، فمجرد الاتهام لا يدل على التورط، فلو قيل حينها لماذا لم يعتقل غيركم من الدعاة ـ وما أكثرهم ـ فهل سيكون ذلك دليلا على تورطهم أو مبررا لاتهامهم؟ ثم إن السجن اليوم فيه أئمة مساجد وخطباء منابر وشباب في ربيع العمر حرموا نسيم الحرية، والتشوف لبناء المستقبل، أتى عليهم الدور هذه المرة ولا وجه لاعتقالهم سوى السياسة المشؤومة والتبعية العمياء. إنه رغم ظهور معالم هذه الدعوة يأبى وكيل الجمهورية إلا اتهامها، لكن ذلك لا يستفز صاحب دعوة الحق، ولا يجعله يسيء التصرف أو يضعف عن الحق فيكون غرضا لسهام المتربصين بدعوته، لأن لها قدسية أسمى وأنبل من أن يحط قدرها الظلم أو يعكر صفوها الأذى، فلا يكون حال صاحبها: يغمى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن وقد عظم وكيل الجمهورية شأن أسئلة في محاضر الشرطة زاعما أنها تدل على خطورة الملف، مثل: هل تعرف المدان فلانا أو المطلوب أو المعتقل فلانا؟ فكان الجواب دائما لا أعرفه، وهي أسئلة الجواب عليها إما بالنفي أو الإثبات، فإذا لم يكن الجواب بالنفي أسلم مع موافقته الحق، فلن يكون الجواب بالإثبات دليل البراءة، وإذا وجهت هذه الأسئلة إلى وكيل الجمهورية، فكيف سيكون جوابه، فإما أن ينفي فيتساوى مع المتهم، وإما أن يثبت معرفته لهم، فيكون مشتبها فيه في أحسن الأحوال. ومثل سؤاله هذا قوله: لقد ذكر لنا المعتقل المدان فلان أنه يعرفك واستفاد من دروسك؟ وعلى افتراض صحة هذه الدعوى، فأين المحظور فيها؟ وما الذي استفاده هذا المذكور؟ وهل قال إنني أسررت له بشيء أم أنه سمع مني علنا في المساجد؟ ومن ذا الذي لم يستفد من القرآن، فهل سيتهم وكيل الجمهورية القرآن يوما كما تفعل أمريكا وهي حاملة لواء الحرب على الإرهاب؟ إن قانون الإرهاب الذي نعتقل اليوم على أساسه، هو قانون ظالم ينتهك كل حرمات الإنسان يبيح اعتقال الأبرياء وعزلهم في السجون، بل رمي السجناء في سجون سرية يجهل فيها مصيرهم وكل ذلك شاع وظهر في بلادنا باسم قانون الإرهاب. إن الحريات في هذه البلاد أنشودة يتغنى بها النظام، ولا حقيقة لها في الواقع، بل الواقع التلاعب بحريات الأفراد والجماعات، فالشرطة تعتقل الشخص وتقول إنها تقوم بعملها وفق القانون، وتسلمه لوكيل الجمهورية، وتضع المسؤولية عليه، وهو بدوره يطلب من قاضي التحقيق إيداعه السجن، وفتح تحقيق في الملف، وهذا بدوره ينفذ الطلب ويخبرك أنك بريء حتى تثبت أدانتك في محاكمة عادلة وبين هذا وذاك مراحل ومهامه يحار فيها القطا. لقد وجه إلينا وكيل الجمهورية التهم بخيال الشاعر الذي قال: أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك لنا تدان نعم وترى الهلال كما أراه ويعلوها النهار كما علاني فوجه إلينا تهمه (محاولة إنشاء تجمع إرهابي والحض على التعصب الديني) وهي تهمة لا يجمعنا وإياها إلا أنها تقع على الكوكب الذي نعيش عليه لا على كوكب آخر، فكل من يعيش عليه عرضة للاتهام. إن مما تسكب له العبرات وتعجز عن وصفه العبارات أن يكون الوضع في بلادنا أسوأ مما كان عليه عند اليهود الأوائل، فإنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، أما اليوم فالضعفاء والفقراء تنفذ فيهم العقوبات ولو لم يقترفوا موجبا لذلك، أما ذوو الطول والجاه فلهم الكلمة والنفوذ. ألم تروا إلى ابن ولد عبد العزيز كيف أنه لم يسجن لأنه ابن الرئيس، وهو الذي قبض عليه متلبسا في محاولة للقتل، ومعه سلاح ناري قاتل، ولا تزال ضحيته رهن إصابتها. لقد اكتفى وكيل الجمهورية بمجرد تسوية مالية للصلح في القضية، فلم يسجن ابن الرئيس ولو على ذمة التحقيق القضائي في محاولته للقتل وحيازته للسلاح، أو انتهاكه للحرمات بوجوده مع امرأة لا تحل له في ساعة متأخرة من الليل، وكأن وكيل الجمهورية لكثرة انتهاكه لحرمات الأبرياء وهي من حرمات الله لم يعد يرى في ذلك إثما، وكثرة المساس تميت الإحساس. ولا غرابة لان ولد عبد العزيز وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء في اللحظة التي لم يحترم فيها حنان الأب على ابنه ولهفته إلى إزالة الكرب عنه، فلم يرضى له أن يبيت ليلة واحدة في السجن كان جديرا به أن يحس أن للسجناء في آباء وأمهات تشتعل قلوبهم وتنفطر أكبادهم ويتقلبون على بساط الآلام والأوجاع جزاء ما يعانيه أبناؤهم ويقاسونه من وحشة السجن ومرارة الظلم أو أنه لم يعد صادقا من قال: لا يعرف العشق إلا من يكابده                 ولا الصبابة إلا من يعانيها ويالله ما أروع الحياة في كنف الشريعة وما أسعد الناس بالعقل وما أعذب حياضه وما أجمل رياضه، فيه تنعم البلاد ويسعد العباد، أما الظلم فبه ينتشر التناهب لا التواهب والمصارمة لا المكارمة والتناطح لا التناصح وهو ما وقع حين قلبت الحقائق وظهر أمثال هؤلاء القضاة وأسيادهم الذين يجعلون الوهم فهما والالتواء استواء والاعتدال اقتداء، فليت شعري فيهم من أضاء له الحق فقبس إلا كما تجري السفينة على اليبس. إنني لم أصرح في المحاضر كلها ولم أقل ما يفهم منه أنني من أي تجمع ولا أنني أعرف مطلوبا أو اتصل على مشتبه فيه، ولم يحتجز عندي شيء محظور أو غير محظور، فأين وجد وكيل الجمهورية ما يدعو إلى اتهامي بدلالة اقتضاء أو لزوم أو إشارة أو إيماء، وهل صرح أحد المعتقلين في الملف بذلك عند الشرطة أو بعدها، فلو كان في محاضر الشرطة ما يفيد ذلك ولو مفتري لوجد له وجه في توجيه الاتهامات ولكن هيهات. فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو شهود أو جلاء ولكن وكيل الجمهورية اتبع هواه وهوى من زين له سوء عمله فانتهك الحرمات وضيع الحقوق وقيد الحريات ظلما، وأشاع الخوف، ولا فساد في الأرض إن لم يكن سعيه هذا فسادا فيها، ولا ريب في الفساد بعد إسناد الأمر إلى غير أهله، وإنه لجدير به أن يتهم بالفساد الداخل في الحرابة بعد التكييف الدقيق المبني على التحقيق، والله ولي التوفيق

محمد سالم ولد محمد الأمين المجلسي السجن المركزى11/03/2012

شارك بتعليقاتك !

     .................................................................................................................................................................................................................................

Copyright � 2012 Hiaad.Net

السراج

 الحرية

العربية

صحراء ميديا

 تقدمي

 موريتانيد

Desgin & Dev By T-Zone

كووورة

الجزيرة

موريتانيد

Bbc

روتانا

سيدتي

........................................................

الغد

Google

Yahoo

Facebook

msn

اخبار انفو